الفصل الثاني
عدي بن مسافر والرموز الدينية
مرت فترة طويلة أخذ فيها البعض يسمي الأيزيدية بالداسانيين وهي تسمية لاتعني التقليل من قيمتهم ولاالحط من مجتمعهم وديانتهم في كل الأحوال بل العكس من ذلك فأنه مما يزيدهم فخرا أن يسمون بالداسنيين ، ثم تطور الأمر لتصبح التسمية العدوية نسبة الى الشيخ عدي بن مسافر الأموي الذي أعتنق ديانتهم في جبال لالش ونظم حالهم وأمور دينهم ودنياهم وكرس حياته لهم فأصبحت تسميتهم العدويين ، ويسمي الأيزيدية أنفسهم ( أيزيدية شنكال ) نسبة الى الإله الكبير ، وقد أيد لي ذلك القوال سليمان سيفو في لقاء لي معه بتاريخ 16/12/1993 في بحزاني وكان الرجل يتمتع بثقافة وخلق وشخصية نافذة ومحترمة بين الناس .
المعروف عن الشيخ عدي بن مسافر ذكائه وتبحره في أمور الفقه والشرائع والأديان ، وكان زاهدا متصوفا عابدا وقد أجمعت كل الكتابات على ذلك ومثلما ذكرت الكتابات كون الشيخ عدي بن مسافر هو الذي دعا الناس في المنطقة الى التمـسك بالإسلام وطرحوا أدلتهم على ذلك ، ولم يضع أحد من الكتاب وجهة نظر تقول بأتباع الشيخ عدي للديانة الأيزيدية التي كانت موجودة قبله والتي تنسجم مع تصوفه ونظرته في الدين فأنقاد شخصياً إليها بعد أن وضعه الأيزيدية في المنزلة التي يستحقها بالنظر لعلمه وتصوفه وتبحره في أمور الدين ، وأن الرواية التي تتحدث عن هروب الشيخ عدي من انتقام السلطة العباسـية من البيت الأموي غير سليــمة وبحاجة إلى تدقيق بالنظر لكون الشيخ عدي مولود في عام ( 471 هـ / 1078م ) ووفاته في عام ( 557 هـ/ 1161 م ) على الأغلب بينما بدأت الدولة العباسية بمبايعة أبو العباس السفاح عام ( 132هـ) وتلاه أبو جعفر المنصور عام ( 137 هـ) ثم تسلسل من بعده الخلفاء من بني العباس المهدي والهادي والرشيد والأمين والمأمون والمعتصم والمتوكل وبقية الخلفاء قبل ولادة الشيخ عدي بن مسافر حيث أن المستكفي بالله توفي في العام ( 333 هـ) وهو في آخر زمان الدولة العباسية بسنوات مما يعني ولادة الشيخ عدي بن مسافر بعد أكثر من مائتي عام قبل العهد الأخير من الفترة العباسية مما يدحض المقولة التي تطرح مسألة قدوم الشيخ الجليل الى لالـش هروباً وتخلصاً من الاضطهاد وظلم السلطات العباسية وخلفائها وولاتها الذين كانوا ينتقمون من بني أمية ، وأذا كان الشيخ قادماً الى منطقة لالش ليبصر الناس بالإسلام فلم يحضر الى هذه المنطقة بالذات وبالقرب منه أشكال الأقوام والأجناس الذين يتحدثون بلغته ويدينون بأديان ومذاهب وملل مختلفة ، في حين يحضر الى منطقة يجهل لغتها وتقاليد قومها وطبيعة أهلها لو لم يكن مبهوراً بفلسفتهم الدينية المتطابقة مع نزعته الروحية وحبه للزهـد والتصوف الذي يغلف الديانة الأيزيدية ، مثلما توارثت عائلته هذا الاعتناق والخدمة الدينية وليس اعتباطا أن تنحصر الرئاسة الدينية بأحفاد الشيخ حسن من أبناء الشيخ عدي بن مسافر ومن ثم تحولت في منتصف القرن الحادي عشر الهجري الى أسرة الشيخ أبي البركات .
وهناك من يرى ان عدي بن مسافر لم يكن امويا فيرى المؤرخ ابن عنبة في تاريخه ( الفصول الفخرية ) ص37 انه كردي من الهكارية ، ويرى الباحث يعقوب سركيس بان نصا كتبه الراهب راميشوع ورد فيه ان والد الشيخ عدي من الاكراد ، كما يؤكد ذلك المؤرخ البغدادي اسماعيل في كتابه ( إيضاح المكنون ) ( ذكره عبد الرحمن مزوري في كتيبه تاج العارفين عدي بن مسافر الكردي – برلين – 2001 )
ووجهة النظر هذه بحاجة للمناقشة والبحث والتمحيص والأسناد التاريخي بعد أن جاءت الدراسات التاريخية تؤكد وجهة نظر واحدة لأن للحقيقة وجهان بصدد مجيء الشيخ عدي بن مسافر الى المنطقة التي لايمكن أن تكون خالية من العقائد والديانات مما يقتضي التوقف عند الأصرار و المثابرة والتضحية التي قدمتها عائلة الشيخ عدي بن مسافر والتي أرساها الشيخ عدي في ظروف صعبة ومعقدة في المنطقة من أجل إبقاء الأسس التي تقوم عليها الديانة الأيزيدية بغض النظر عن التفرعات والتغيرات التي طرأت على العقيدة والمذهب في حينها ، مما يجعل الافتراض الثاني كون الشيخ هو الذي أنقاد وألتزم بالديانة الأيزيدية التي كانت موجودة قبله ، بالنظر لما تنطوي عليه من طرق صوفية وعقيدة روحية وسلوك حياتي يدعـو الى الزهد والتقشف تنسجم وتتطابق مع طريقة الشيخ وتصرفه في الحياة والمبادئ التي يؤمن بها ، إضافة الى روح البساطة التي يتمتع بها عامة الأيزيدية وابتعاد الناس عندهم عن التعصب ومحاولة عدم التحزب والدخول في الخلاف الذي اعترى الأمة ، ولم يكن الشيخ عدي أميراً عليهم ولاملكاً ولا سلطانا ، ولم يكن يعتمد بمعيشته عليهم ، وكان يقوم بتحصيل رزقه من جهده مع استمرار عطاءه وتدفقه الفلسفي والعلمي والديني ، لذا فأن هذا الافتراض بحاجة للدراسة والتدقيق والمناقشة الدقيقة فأنه يوازي الافتراض الأول كون الشيخ هو الذي أقنعهم بالالتزام بالدين الإسلامي والذي لم تسجل نتائجه لحد ألان أن لم يجد رجحانا عليه ، ولو تمعنا في أحد ألقاب الشيخ عدي حيث لقب بالهكاري نسبة الى منطقة الهكارية دون التمسك بلقبه الأول الأموي مما يعني انقياده للحالة الجديدة واعتزازه بها إضافة الى هجرته الى شمال العراق وهي منطقة تكاد تخلو من العرب الذين يمكن للشيخ عدي بن مسافر التفاهم معهم والدعوة لالتفافهم حوله إضافة الى اختلاف المنطقة جغرافياً عن المنطقة التي كان يسكنها الشيخ عدي ، مما يجعل الدافع الذي سيطر على هجرة الشيخ أقوى من كل هذا لأن التاريخ لم يذكر هجرة أي رجل أموي الى جبال الأكراد أثناء قيام الدولة الأموية وما بعد سقوطها وحلول الدولة العباسية ، إضافة الى كون المنطقة تعج بأتباع الديانة الإسلامية واليهودية و المسيحية والمجوسية والأيزيدية إضافة الى وجود الديانة المندائية الموغلة في القدم والتي أثرت فلسفتها الدينية في الكثير من الأديان والمذاهب والمنتشرة على ضفاف الأنهار في جنوب العراق وإيران ، وأذا كانت الدعوة الى الإسلام هي ما يذكره الكتاب والمؤرخين فأن الشيخ عدي غير عاجز عن توثيق مثل هذا الأمر وكتابته مثلما كتب العديد من الدراسات في التصـوف والسلوك والعقيدة ، هذا بالإضافة الى عدم ذكر أية حادثة مسجلة تنم عن الرفض أو التعرض للدعوة الجديدة التي يزعم أن الشيخ جاء بها ، بينما نجد التجاوب والانسجام والتمجيد والتبجيل الذي قوبل به الشيخ عدي بن مسافر مما يدلل قطعا بما لا يقبل الشك فرحة الناس البسطاء من الأيزيدية بالقادم المهيب الشيخ الفقيه الزاهد عدي بن مسافر الذي أكد انتماءه الروحي من خلال دينهم القديم والتأثير بشكل طبيعي بالنظر لما يملكه الشيخ من قوة الحجة والمنطق والمحاججة والتبصير في أمور وتفرعات هذا الدين وهذا الشعب ، وليس أكثر دلالة على ذلك من قيام الأيزيدية بالاحتفال بعيد الجماعية مع وجود الشيخ في لالش ، وأن عدم اعتراضه وربما مشاركته في أداء الطقوس والاحتفال طيلة الفترة الزمنية التي قضاها في لالش يزيد الأمر تأكيدا على الافتراض المذكور ، ولو تتبعنا ما نقل عن الشيخ من أشعار عازفين عن التدقيق في الأشعار الركيكة والموضوعة والتي تتناقض مع براعته اللغوية وسعة علمه واجتهاده أو محاولة إلصاق الإدعاء بالألوهية ، فأننا نلمس الحب الإلهي والفلسفة الروحية التي تدلل عليها قصائده والدعوة الى الزهد والتقشف والى نبذ مباهج الدنيا والانصراف الى حب الله والتمسك بالمعاني الروحية في إنكار الذات والخضوع الى الله وهذه الأمور من معالم المتصوفة والزهاد بعيدا عن المغالاة والدعوات المنحرفة التي ألصقوها به ظلما .
والملاحظ أن قسم من الكتاب من أعتبر الشيخ عدي بن مسافر مسلماً صرفاً جاء الى المنطقة داعيا الى الإسلام والى أتباع الطرق الصوفية والنسك والزهد ، ومحاولته نشـر ذلك بين الأكراد في المنطقة التي سكن فيها ، ولكن البعض الأخر ينسب إليه كونه أدعى الألوهية وخوارق العادات وإيصاله الى مرتبة الكفر وهو بعيد كليا عن هذا ، و البعض الأخر ليس دون سبب ينشر مثل هذه الكتابات والاشعار بعد أن تأكد له أن الشيخ عدي هو الذي أعتنق الديانة الأيزيدية ولمكانته المتميزة وعلمه فقد أصبح من مراجعهم ورموزهم الدينية التي يعتزون بها ويجلونها وأصبح ولياً من أوليائهم بعد وفاته ودفنه في لالش ذلك المكان المقدس ، وسنقرأ في حوادث التاريخ الاعتداءات التي حصلت على ضريح الشيخ بعد وفاته مما يدلل قناعة المعتدي كون الضريح يعود الى أيزيدي وليس لغيره من عباد الله .
كانت ولم تزل النزعة الصوفية سمة من سمات الديانة الأيزيدية وهي تعتمد الزهد والنسك والتصوف والتفرغ للعبادة و الانصراف الى الطقوس وترك مباهج الحياة ونعيم الجسد وتصفية القلب في محبة الله وذكره والصلاة ويمكن أن تكون طبـقة الفقراء خير مثال على ذلك ، وهي بهذا تتشابه مع التوجهات التي يتوجهها المتصوفين الإسلاميين ، لكن تختلف عنهم في المحن الذي تعرض لها الفقراء الأيزيديون والعذاب والألم واليأس الذي غلف حياة الشعب الأيزيدي نتيجة الاضطهاد وحملات الإبادة والإجـبار القسري على تغيير ديانتهم ، إضافة الى انتشار الفقر المدقع وتكريس بقاء التمايز الطبقي الحاد بين طبقاتهم الاجتماعية بفعل التقسيم الطبقي دينيا والذي أنسحب على التركيبة الاجتماعية للمجتمع الأيزيدي مما خلق نظام اجتماعي مغلق ومقدس ، ويؤكد رجال الدين على تقديـس بقاءه والعمل بموجبه ، يجعل من الناس من يتعاطف معهم وينقاد لطرقهم الصوفية في العبادة بالنظر لاجتماع التصوف الروحي والمادي في شخوص متصوفة الأيزيدية ، ويمكن أن يكون الحسين بن منصور الحلاج ( 858 – 922 م ) من المتصوفين الإسلاميين الذين يشترك المسلمون والأيزيديون في تبجيلهم واحترامهم على سبيل المثال لا الحصر ، مع أنني أعتقد بأن تقدير واحترام الناس للحلاج لا يأتي من تصوفه فقط وأنما من ثباته على موقفه وإصراره على مبادئه وأيمانه بها رغم كونه كان يعرف أنه يدفع حياته ثمنا لذلك فجلد بالسياط وأحرقت داره وكتبه ومؤلفاته ومن ثم قاموا بتقطيع رجليه ويديه دون أن يتراجع عن اعتقاده فتم قطع رأسه ، وعلى هذا الأساس من الممكن أن يكون الشيخ عدي بن مسافر منقاداً تحت هذا التأثير للالتحاق بركب الديانة الأيزيدية حيث وظف لهم كل إمكانياته العلمية والفلسفية والصوفية و وضع لهم أسس الترتيب الاجتماعي وأوضح لهم العقيدة ومبادئ التصوف وأوضح عمل الطبقات الدينية والأمور الروحية ومسائل العبادة وكيفية العمل والمحافظة على سرية العقيدة .
كتب العديد من الكتاب حول أدعاء البعض من الأيزيدية تأليه عدي بن مسافر ، فيدعي البعض أنه الأله جلت قدرته ، ويدعي البعض كذلك أنه صعد الى السماء وأكل خبزا وبصلا مع الخالق ، أو أن الشيخ عدي بن مسافر سيحمل طبقاً فوق رأسه يحمل به الأمة الأيزيدية ويدخلها الجنة بغير حساب ، إضافة الى أيراد قصائد وأبيات شعرية على لسانه توحي وتزعم بأنه يدعي الألوهية وأن حكمته تعرف كل الأشياء وأن جميع من في الكون تحت أقدامه ساجدة وجميع الخلائق رهينة أمره .. الخ ...
علمي أحاط حقيقة الأشياء وحقيقتي قـد مازجـت أيائي
وأنا عدي الشام أبن مسافر قد خصني الرحمن بالأسماء
والعرش والكرسي وسبع و الثرى في طي علمي ، لاأله سوائي
وأنا الذي جاء الرجال بأسرهم طوعاً ألي وقبــلوا قدمائي
ويبدو التناقض واضحاً في البيتين الشعريين بين ما خصه الرحمن وبين الإدعاء بالألوهية ، وهكذا تنسب هذه الأبيات الركيكة والمختلة الوزن والتي تتناقض مع فلسفة الشيخ عدي الذي كان يرفض رفضاً قاطعاً مجرد تقبيل القوم ليديه ، فأذا بالقصيدة تصل لحد الإدعاء بأنه الخالق الذي لاأله سواه والشيخ عدي بن مسافر من كل هذا براء ، وقد أجمع أكثر المؤرخين على أن القصيدة نسبت زورا الى الشيخ عدي بقصد الحط من مكانته ومكانة الأيزيدية بشكل عام .
والمدقق الفاحص في كتابات وفلسفة الشيخ عدي بن مسافر يجد تناقضاً وتقاطعاً بين ما يكتبه وبين هذه الأشعار المنسوبة إليه ، والمدقق أكثر في كتب الشعر والتراث والتاريخ العربية لن يجد أساس لهذه القصائد ولاسنداً يؤيد قولها ونظمها مما يعزز وجهة النظر القائلة بكذب نسبتها الى عدي بن مسافر . وعالم مثل الشيخ عدي له خصائص في التصوف والفلسفة والفقه وعلم السلوك و مؤلف رسائل غاية في الدقة والمعاني والتعبير لايمكن له أن ينظم شعراً تتخلله أخطاء نحوية وتعابير عامية !! وهذه الأمور لم ترد في كتبهم المقدسة ولاتم توثيقها من قبل رجال الدين الأيزيدي المعتمدين ولامن مثقفيهم المختصين بالدراسات الفلسفية والدينية بخصوص الديانة الأيزيدية ، ويحق للمرء أن يتسائل أذا كان الشيخ عدي بن مسافر مسلما تقيا ورعا فما سبب قيام البعض ممن يدعي الحرص على الإسلام بتخريب قبره والعبث بقدسية القبر والمكان ؟؟ أن لم يكن متأكدا من تطابق أفكار الشيخ مع الديانة الأيزيديـة وهي المقصودة بالتخريب والتدمير ، وأذا كان الشيخ عدي قد حضر الى لالش وانتمى الى هذه الديانة فهل يمكن القول بأن الشمسانيين كانوا هم الذين يوجهون الأمور الدينية قبل أن يحل محلهم باعتبارهم من العائلة الشمسانية التي كانت تستلم زمام القيادة الدينية للأيزيدية قبل مجيء الشيخ الجليل ، وتكريما له فقد لقب بالشمساني أيضا .
ومن أبرز الرجال الذين خلفوا الشيـخ عدي بن مسافر هو الشيخ حسن شمس الدين أبو محمد ( 581 – 644 هـ ) ( 1184 – 1246 م ) وكان قد خلف أباه وأستقطب الأكراد بالنظر لموهبته وعلمه وحكمته .
درس في الموصل على يد الشيخ الفقيه محي الدين بن عربي عندما كان يقيم في الموصل بالجامع النوري عام 611 هـ وتأثر بالكثير من أفكاره الصوفية ، كما يذكر أنه سافر الى الشام للالتحاق بمحي الدين أبن عربي عام ( 618 هـ ) حيث أستكمل على يديه الدراسات الفلسفية واللاهوتية وطرق التصوف وبعد سنتين عاد الى أهله وقومه وأستقر في مكانه يتحدث بعلمه وحججه ، وهو فصيح اللسان يجيد العربية والكردية قوي الحجة يستهوي القلوب في حديثه وفصاحته وينظم الشعر حسب ما ورد بكتاب الدملوجي ، وعلى هذا الأساس أستقطب الناس وأصبح أحد المراجع الدينية للأيزيدية والاجتماعية لعموم الناس بالموصل مما جلب انتباه السلطات لمنزلته الرفيعة هذه وما يحققه من محبة الناس وأجماعهم عليه ، فنسبوا إليه خوارق العادات ونسجوا حوله الأساطير ، بالوقت الذي تفرغ الشيخ حسن لعقيدته ودينه وأرسل أتباعه الى الجزيرة والجبال لنشر الدعوة الأيزيدية وبقي هو معتكفاً في صومعته ست سنـين كان الشيخ فخر الدين الوسيط بيـنه وبين الناس في إيصال تعاليمه وأحكامه وعلمه ، بعد هذه المدة خرج من اعتكافه بعد أن أنجز ثلاث كتب خلال فترة الاعتكاف وهي : -
- الجلوة لأرباب الخلوة .
- محك الأيمان .
- هداية الأصحاب .
ومما لاشك فيه كون الكتب المذكورة تبحث في فلسفة الديانة الأيزيدية والتصوف وعشق الذات الإلهية ، مع أن أحداً لم يذكر أنه أطلع عليها أو على أجزاء منها ، مع أنها تبدو من ضمن التراث الأيزيدي الذي اختفى نتيجة الحروب والنكبات التي تعرضت لها الثقافة والتراث الأيزيدي إضافة الى التعرض الى حياة الأيزيدي .
استطاع الشيخ حسن خلال هذه المدة في وجوده أو خلوته أن يقم بوضع أطر عامة لحياة المجتمع الأيزيدي ، مثلما استطاع أن يوضح ويطبق تعاليم وأسس وضعها الشيخ عدي بن مسافر لترتيب الوضع الاجتماعي الأيزيدي مما زاد من أحكام ترتيب البيت الأيزيدي وأحكام سيطرة رجال الدين على الشارع ، إضافة الى كونه استطاع أن ينظم أسس الديانة الأيزيدية مما زاد من تمسك الناس بعقيدتها وزادهم إعجابا وتمسكا بالشيخ حسن وتطور الأمر حتى أصبحت الناس منقادة له تبذل له الروح والمال ، ووضعت أرواحها وأموالها بأمرته وبأمرة رجال الدين الأيزيدي ، مما زاد من قوة الشيخ حسن ، ولذا قويت شوكته ومنزلته وأصبح يشكل خطراً أكيداً على السلطة التي كان يحركها من خلف الستار بدر الدين لؤلؤ . .
كان بدر الدين لؤلؤ يراقب حركة ونفاذ الشيخ حسـن داخل المجتمع الأيزيدي بدقة ويلاحظ تغلغل الدعوة الأيزيدية بين الأكراد وعلى هذا الأساس أرسل بطلب الشيخ حسـن وأحضره الى القلعة ثم حبــسه فيها وأثــناء حبـسه سـلـط عليه من يقوم بخنــقه وقتله ( 644 هـ - 1246 م ) ونكل بأصحابه وقد ذكر ذلك محـمد أبن شاكر الكتبي في كتابه ( فوات الوفيات ) الصادر في مصر عام 1290 هـ .
أن الكثير من الرجال برعوا في الفقه والالتزام الديني بين الأيزيدية مما ينبغي متابعة سيرتهم وجهادهم وتراثهم وليس اعتباطا أن تكون قبورهم مزارات ومراقد مقدسة تقدم لها النذور والخيرات وتتمتع بمكانة كبيرة في نفوس عامة الأيزيدية ، ولايمكن أن تكون مجرد أسماء مرت مرور الكرام في حقبات التاريخ والزمان أن لم تكن لها المكانة الدينية أو الاجتماعية أو السياسية لدى المجتمع والدين الأيزيدي ، كالشيخ سجادين وآمادين ومحمد رشان والشيخ شمس والشيخ فخر الدين والشيخ مند والشيخ ناصر والشيخ أبي بكر وغيرها الكثير من أسماء المراقد والأماكن التي تضم أضرحة الأولياء والمجتهدين من الأيزيدية إضافة الى أماكن ورموز كثيرة يعتبرها عامة الأيزيدية مقدسة ويؤمنون بأنها تتوسط لدى الله لتلبية طلباتهم وتشفي أمراضهم القسم منها ما يرتبط بالأساطير والحكايات الشعبية والقسم الآخر ما يرتبط بالموروث الديني والبعض الآخر ما يرتبط بالمكانة والمنزلة الدينية الحقيقية مما يدعو للتدقيق والتحقيق في هذه الأماكن .
فالشيخ محمد رشان من أصحاب الشيخ عدي بن مسافر ويقع قبره عند سفح جبل مقلوب محاذيا لقرية ( كيله شين ) وهو من الشمسانيين وكان يسكن المنطقة قبل مجيء الشيخ عدي اليها ، وله كرامات كثيرة ويجله الأيزيدية والمسلمون في المنطقة ويتحرجون من الحلف به ولذا لا يحلفون به كذباً ، ومن عقائد الأيزيدية انهم يطلبون استسقاء المطر بواسطة الشيخ محمد رشان ، ويقيمون احتفالاتهم عند مرقده ، وقد أدرك لشيخ عدي عند قدومه وصاحبه وأستمع اليه وتتبع أقوالـه وأعماله وقام بتطبيقها والالتزام بها ، وكان معلماً وتلميذاً وتكللت سيرة حياته بالعبادة والتصوف والانصراف الى الزهد بالحياة ومناجاة الله والصلاة والصوم .
أما الشيخ حسن ويعرف بالشيخ شمس الدين أبو محمد الحسن بن عدي الثاني ، فيقع قبره في منطقة عين سفني وقرب مرقد الشيخ عدي وله مقامات أخرى في سنجار والشيخان ، ويعد من أكابر الرجال عند الأيزيدية بعد الشيخ عدي بالنظر لعلمه ومكانته المتميزة في التاريخ الأيزيدي وفي تثبيت أسس الديانة الأيزيدية ، وقد ذكرنا نبذة من حياته قبل هذا .
وقبر الشيخ ( مند ) في قرية عين سفني أيضاً ، أما الشيخ محمود الحنفية فيقع قبره في بعشيقة وتقام احتفالات عيد رأس السنة الأيزيدية حول القبر حيث يرقص الرجال والنساء في حلقات الدبكة الكردية ، كما يقع في بعشيقة قبر الشيخ ناصر الدين أيضاً .
كما يقع قبر الشيخ سجادين والشيخ أبو بكر في بحزاني .
أما الشيخ فخر الدين وهو من أبناء الشيخ شمس فقد دفن في لالش .
من المعروف أن للأيزيدية لغة خاصة كانوا يتحدثون بها وكتابة خاصة يكتبون بها ، فأذا كان الشيخ عدي بن مسافر قد جاء اليهم سواء للانضمام الى ديانتهم أو لترغيبهم في أن يصبحوا مسلمين فأين كتاباته بلغتهم وهو الشـيخ العالم والذكي المطلع الذي أصبح واحدا منهم ؟ وأين أختفت تلك الكتب المكتوبة بأقلام شيوخهم وكبارهم ؟ بل وأين انتهت تلك اللغة التي لم تزل معالمها موجودة لحد اليوم ؟ بل وأين أتباعه الذين كانوا مـعه أن لم ينصهروا في بوتقة الديانة الأيزيدية .
واذا كان الأمر يتعلق بالشيخ عدي بن مسافر فأين أقواله تجاه المكونات الأولية للديانة الأيزيدية ؟ أين نظراته التحليلية لأسس العقيدة ونظراته النافذة الى صميم العقيدة الأيزيدية ؟ بل أين انتقاداته لهذه الديانة أذا كان يخالفها ويرفضها أو يحاول تقويمها ؟ ولو كان رافضاً للديانة الأيزيدية لماذا يتم تحريف قصائد تنسب اليه ظلماً وزوراً وبهتانا على انه هو الإله بغية الحط من علميته وقيمته ومكانته التاريخية أو يعتدى على ضريحه ؟ مما يدلل كون الشيخ الجليل كان منسجما مع هذه العقيدة بل ولم يجد ما يخالف فلسفته و أمنياته واعتقاده ونظرته للدين والحياة ، وأن إلقاء نظرة على فلسفة الشيخ وكتاباته والمتطابقة مع المفاهيم العامة للديانة الأيزيدية والانسجام مع الدعوة الى التصوف والزهد مع الأخذ بعين الاعتبار أسباب أختيار المكان المقدس للســكن والاستقرار ومن ثم الرقود فيه أبداً ، مما يعزز رجحان كفة الرأي القائل كون الشيخ عدي بن مسافر هو الذي جاء الى منطقة لالش طواعية وهو الذي أعتقد بديانة الأيزيدية ، وهو الذي أصبح أحد أقطابهم ومراجعهم الدينية ولم يفارقهم حتى وفاته ولم يثبت العكس ، بل لم يشذ أحد من أتباعه ومريديه عن هذا الرأي .
أن نصوصا دينية وأخرى أسطورية بالتأكيد رافقت حياة الأيزيدية لم تزل في سباتها قائمة تحت تأثير عوامل التغييب الثقافي المتعمد للأيزيدية ينبغي نبشها وبحثها واستلال ما يفيد البشرية منها أذ ليس من المعقول أن تكون مجتمعات الأيزيدية غائبة عن الوعي أو منقطعة عن العالم خلال تلك الفترة ، مثلما ليس من المعقول أن لاتبرز امراءة غير( ميان خاتون ) بارزة ومقتدرة وتلفت النظر برجاحة عقلها وحكمتها وشخصيتها النافذة بين مجتمعات النساء الأيزيديات على مر الزمان ، وهذه من المهمات ليست السهلة بالتأكيد ، لكنها ضرورية ومطلوبة وملحة من أجل اكتشاف الحقيقة .
ونجد أنه من الطبيعي أن تتأثر الديانة الأيزيدية في الأديان المتجاورة معها كالمجوسية واليهودية والمسيحية والإسلام مثلما تتأثر هذه الأديان في بعضها البعض الآخر في ما يخص الطقوس والمناسبات والموروث الديني كما في عملية الذبح والختان وتحريم لحم الخنزير مثل المسلمين أو التعميد مثل المسيحيين وتقديس الماء والشمس مثل الصابئة المندائيين أو تشترك في مناسبات دينـية ومزارات في المنطقة ومن الطريف أن تجد الشبك المسلمين والأيزيدية والمسيحيين يحتفلون في مناسبات واحدة كما في عيد خضر الياس أو في أعياد الربيع أو مشتركا بين الأيزيدية والمسيحية كما في عيد البيلنده إضافة الى قيام البعض منهم مشتركا بزيارة قبور للأولياء في المنطقة ، الا أنهم يتفردون في عيد رأس السنة التي يختلفون فيها عن جميع الأديان أذ يكون عيدهم في أول يوم أربعاء من الأسبوع الأول من شهر نيسان ويسمونه ( سر صالي ) أذ يعتقدون أن في هذا اليوم يصادف نزول الروح على الأرض ، وليس من باب المصادفة أن يحتفل البابليون في زمن الملك نبوخذ نصر بهذا اليوم كعيد من أعياد الإله ( بعل ) قبل أكثر من ستمائة سنة قبل الميلاد ، كما أنه من الطبيعي أن يكون بين الأيزيديين من أصوله عربية وأعتنق الديانة الأيزيدية تحت أسباب كثيرة في الأزمان القديمة لامجال لبحثها وتفصيلها ، ولكن هذا لوحده لا يشكل مقياسا يمكن الاعتماد عليه في قراءة أصول الأيزيدية القومية ، ومن المسائل التي تتخلل الأمور المقدسة لدى الأيزيدية قدسيتهم للرقم سبعة ، هذا الرقم الذي سيدخل في كتبهم الدينية وعدد فصولها وأبوابها وأسماء الملائكة والكثير من الأمور التي تدلل على قدسية هذا الرقم لديهم .
المعروف أن الأيزيدية لم تتخذ لها هيكلا مقدسا تتقرب به الى الله ولادعت الى عبادة شخص ما ولم تعبد صنما ولم تدعو لعبادة الطاووس مطلقا ولم يرد ذلك في كل وشائجها الدينية ، وكل ما قيل خلاف ذلك هراء لاسند له في شريعتهم فهم يتقربون الى الله مباشرة دون وسيط ، وهم يعتقدون بأن الله موجود في كل شيء وأن الله عز وجل هو الخير والرحمة ولايمكن أن يخلق غير الخير والرحمة لأن الله هو الأساس والمخلوقات أجزاء من الروح العليا ، وأن الجزء تابع للكل ، ولذلك فأن تقديسهم للظواهر الكونية كالشمس والنور والقمر مبني على فكرة كون هذه الظواهر جزء من الذات والمقدرة الإلهية التي يعجز عنها البشر وهي فكرة ذات اعتبار ومحل تقدير .
وأن هذه الظواهر هي تعبير خارق للإرادة الإلهية ، لذا فأن التعبير الذي يقوله الأيزيدي عن الشمس ( الإله شمس ) هو امتداد طبيعي للتسمية البابلية والسومرية للأله شمس والأله تموز وغيرها من التسميات الرمزية ، وكل هذه الأمور دون المساس بوحدانية الله وقدرته على خلق هذه الظواهر التي يعجز عنها الأنسان مهما عظمت قوته وسلطته .
ويمكن أن يكون طقس الصلاة الذي يؤديه الأيزيدي لوحده مع خالقه أمام نور الشمس يعطي فكرة مؤكدة على تمسك الأيزيدي بوحدانية الله وهو يردد لوحده في العراء ( آمين .. آمين تبارك الدين الله أحسن الخالقين .. سبحانك أيها الخالق أعطني الخير وأقلب عني الشر ) أو تجد ذلك خلال الأدعية القديمة التي يرددها القوال ويحفظها الناس : ( آلهي لعظمتك ومقامك وملكويتك .. يارب أنت الكريم الرحيم الأله .. لك ملك الدنيا ، يارب أنك أزلي قديم ومالك الأنس والجن ومالك الكرسي والعرش ، يارب أنك رب السماء والأرض ورب الشمس والقمر ) .
أن فكرة عبادة و تقديس وتوحيد الله تطغي على كل اعتقاداتهم وتشمل جميع طقوسهم وهم بالتأكيد يؤمنون بان الله سبحانه وتعالى خلق طاووس ملك ( كبير الملائكة ) وأن هذا الطاووس مقدس لكنه لن يصل الى قدسية الله بأي حال من الأحوال ويبنون فكرتهم على أساس أن ماكان مقدسا كله فأن أجزاءه الناتجة عنه مقدسة أيضا لأن جمع الأشياء يشكل الكل ، وحالهم مثل حال كل الأديان والمذاهب في خلق طوطم يرمز الى شيء مقدس مادي ملموس يرمزون به الى هذا الشيء ومن هنا كانت فكرة شكل الطاووس ملك الذي يرمز الى الراية السماوية عند الأيزيدية ، وقد نلاحظ التقديس لرمز الصليب المقدس عند المسيحيين أو تقديس الهلال عند المسلمين أو الماء الجاري عند المندائيين أو حائط المبكى عند اليهود وتمثال بوذا عند البوذيين وصورة الشمس عند المجوس وفي كل الديانات القديمة ثمة رمز مستل من أسس هذه الديانة أن لم يكن يمثل جانباً من جوانبها أو إشارة تدلل عليها ، وهذا الرمز قديم قدم الديانة الأيزيدية يسمى ( السنجق ) وممارسة الطقس عند حلوله في الموسم تطويرا لقدسية الإنسان الأيزيدي لربه وتعبيرا عن الخضوع البشري للإلهة لا لغيرها وأستطيع الزعم بأن الأيزيدي لا يعبد تمثال الطاووس الذي يحضر الى قريته بل يمارس طقس العبادة لله الواحد الأحد ضمن الطقوس الدينية التي تصاحب مجيء الطاووس ، وهذا لا يلغي العلاقة بين الله والأنسان الأيزيدي في بقية الأيام أو عند مغادرة السنجق لقريته بل تبقى مسألة الأيمان والاعتقاد مسألة ترتبط بضمير الإنسان ومدى أيمانه وتفهمه للعقيدة ، وحينما يقوم الأيزيدي بتقبيل الأرض في الصلاة فأنه لايعني هذا عبادته للأرض دون الله ، كذلك فأن ممارسة طقوسه في زيارة مرقد الشيخ عدي بن مسافر في لالش وإضفاء نوع من القدسية والتمسك بشعائر تشكل جزء من الموروث الشعبي وحالة من الهيبة والخشوع والخوف لتصفية شوائب الروح وخلق حالة صفاء نفسي لشد الشخص والسيطرة عليه باطنيا ونفسـيا كحالة من حالات الأنشداد العقائدي نحو العقيدة وهذا موجود في المعتقدات الدينية لكثير من الطوائف والمذاهب والملل .
الكثير من الرموز الطوطمية لاتعني قطعا أيمان الجماعة بشكل الطوطم أو بحقيقة وجوده بهذا الشكل ، بقدر ما تشير الى الرمزية في الوصول الى المقدس ومن هنا نستطيع أن نشير الى التقديس الذي تكنه بعض الأديان والملل الى الظواهر الكونية بالنظر لغرابة خلقها وأبعاد كينونتها وقوتها الكامنة والمستمرة والمستمدة من الله تعالى الذي خلقها بهذه الكينونة وجعل عنصر الطاقة والعطاء فيها مستمرا مع بقاء الحياة في الأرض ، ومسالة التقديس للظواهر الكونية قديمة وقد أشارت أليها جميع الديانات القديمة وجميع الرسل والأنبياء .
أن فكرة تمثال لصورة رئيس الملائكة ( طاووس ملك ) هي صورة رمزية كانت موجودة منذ وجود الأيزيدية ، وقد وجد أثر لتمثال الطاووس عند العراقيين القدماء ، وليس بعيدا أن تكون التسمية مأخوذة من الإله ( تموز ) وهو اله الشمس عند البابليين وأستمر معبودا كرمز منذ العصر البابلي والإغريقي ومازال تأثيره الى الآن في مناطق الهـند حيث تقدس بعض الجماعات الهندية ( طائر الطاووس ) ، وبعد سقوط بابل على يد القائد الفارسي كورش في العام 539 قبل الميلاد نقل الأيزيديون رموزهم الدينية معهم الى مناطق شمال العراق حيث كان أتباع دينهم يمارسون طقوسهم بحرية أكثر مما يمارسها الأيزيديون في بابل بعد الاحتلال الفارسي .
تعتبر الأيزيدية تمثال الطاووس رمزاً مقدساً للملاك ، ولايمكن الالتفات إلى التخرصات التي تزعم كون الأيزيدية تعبد هذا التمثال بذاته ، فالحقيقة أن التقديس للسنجق يرمز الى التقديس الذي يكنه الأيزيدي الى الله خالق الكون وكل شيء حي وهو قديم قائم بذاته ولايمكن تجسيده بشكل لأن الله ليس له حدود ، يخلق وليس بمخلوق ، ولو دققنا شكل تمثال الطاووس المقدس لدى الأيزيدية لوجدنا أن الشكل لا يعبر عن الأشكال الحديثة والعصور التي سبقتها بل يعبر عن الأشكال المعتمدة في العصور القديمة الموغلة في القدم ، إضافة الى شكل كأس الطاووس المصاحب للعرض المقدس والذي يأخذ شكل الآنية المجردة التي تعبر عن بساطة الشكل وعدم التفنن به ، وأذا كان هذا التمثال قد تمت صناعته في الأزمان الحديثة فأنه سيأخذ شكل الفن العربي أو الكردي المتطور في حين يكون تمثال السنجق تجسيداً للبساطة وعدم اللجوء الى اللمسات الفنية في التشكيل مما يدلل على قدم الصنع وتبسط الشكل انسجاما مع الزمن الذي قدم منه ، ومع الافتراض بأن هذه السناجق هي غير السناجق التي كانت معتمدة لدى الأيزيدية فأنها بالتأكيد وبموافقة شيوخـهم ورؤسائهم الدينيين تعتبر الأشكال المقلدة أو المتقاربة لها ، إضافة الى قدسية الرقم سبعة لدى الأيزيدية أسوة بكافة الأديان والمذاهب التي تقدس الرقم المذكور في أمور كثيرة منها الوسائد السبعة والسناجق السبعة والمناطق السبعة لدى الأيزيدية في العالم ، إضافة الى ما يذكره التاريخ من كون الصوفية كانوا يقدسون الطاووس .
و كانت السناجق سبعة قبل فقدانها ، ونفياً للزعم الذي يقول كون السناجق حديثة ، أنه لم يبق من هذه السناجق سوى السنجق المعروض في العراق دون باقي المناطق التي تفتقد لسناجقها ولربما قام أفرادها بزيارة للعراق للتبرك وتحمل المشاق والمصاعب وأنفاق المال وزيارة السنجق عند دورته في قرى الأيزيدية في العراق دون باقي المناطق التي يسكنها الأيزيدية في سورية وتركية ، ولو كانت هذه السناجق حديثة الصنع لأمكن أعادة صناعتها أو استبدالها بسناجق أخرى ، لكن هذا لم يحدث أبداً رغم مايعانية الأيزيدي من مشقة ومتاعب للحضور الى السنجق عند قدومه الى القرى البعيدة عن قريته أو بلده .
ومن دواعي الفخر والاعتزاز أن أكون من الناس القلائل من غير الأيزيدية الذين شاهدوا مجيء السنجق الى منطقة بحزاني في العراق يوم 22/نيسان /1994 وأن أشاهد عن قرب الطقوس المصاحبة للزيارة والنذور التي يطلبها ويقوم بها المواطن الأيزيدي بحضور السنجق ورجال الدين وسط احتفال شعبي مهيب ، إضافة الى كون كريفي الأيزيدي الأستاذ عمر خضر حمكو كان قد أستضاف السنجق بتاريخ 21/4/2001 بداره العامرة في قصبة بحزاني وأرسل لي صورته مع تمثال السنجق وهي المنشورة في غلاف الكتاب ، وهو بهذا التواصل يمثل حالة الأخوة الحقيقية بين الأيزيدي ورجل من غير دينه لكنه أختياره لي ككريف مدى الحياة بعد أن توطدت العلاقة العائلية بيننا لتمتد الى أولادنا مادمنا أحياء ، ويكفي علماً أن هذه الكرافة باقية رغم تغير ظروف عملي الوظيفي ، وهذه المأثرة الاجتماعية الراسخة في صميم أعراف الأيزيديين و التي يتمسك بها عامة الشعب الأيزيدي تعد من الأعراف والتقاليد التي يدعو إليها الدين الأيزيدي ويتمسك بها المجتمع الأيزيدي القديم والجديد .